تمكن الدرك الوطني خلال ثلاثة أيام من تفكيك عدة شبكات تنشط في مجال تهريب المهاجرين غير النظاميين، وإحباط محاولات لتهريب آخرين نحو السواحل الأوروبية.
وتأتي هذه العمليات، التي أعلن عنها الدرك، في وقت تشن فيه السلطات الموريتانية حملة لمكافحة تهريب المهاجرين غير النظاميين، وترحيل من دخلوا البلاد بصفة تعتبرها الحكومة “غير شرعية”.
ويُلاحظ أن العمليات جرت في ظرف زمني قصير لا يتجاوز ثلاثة أيام، ما يشير إلى أن الأجهزة الأمنية بدأت تفكك تدريجيا شبكات التهريب المعقدة، التي تعتمد على هويات مستعارة وشبكات خفية، ما صعّب تتبعها منذ بدء الحكومة في التعبير عن قلقها من تزايد أعداد المهاجرين القادمين إلى البلاد، وهو ما يشكل “ضغطاً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً”، بحسب تصريحات مسؤولين حكوميين.
في البداية، ركزت السلطات جهودها على ضبط الحدود وإغلاق المنافذ غير الرسمية وتشديد الرقابة عليها، إلى جانب مراقبة الطرق الوطنية. كما فرضت حزاماً أمنياً على مداخل المدن، خاصة نواكشوط، يشمل تفتيشاً دقيقاً للسيارات.
هذه الحملة الأمنية أسفرت عن توقيف عشرات المهاجرين، بالإضافة إلى مهربين يصنفون من “الدرجة الثانية”، يعملون ضمن شبكات كبيرة يتخفى قادتها وراء هويات مزيفة بهدف التمويه وتعقيد مهمة تعقبهم.
وأدى تصاعد وتيرة المهاجرين الموقوفين إلى دفع الأجهزة الأمنية نحو تتبع خيوط تؤدي إلى الرؤوس المدبرة، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك حين قال إن “المهاجرين غير النظاميين الموقوفين مؤخراً كانوا منظمين ومؤطرين وموجهين من قبل شبكات تهريب”.
وقد بدأ هذا الخيط يتكشف في مارس الماضي، عندما أوقفت فرقة من الدرك سيارة إسعاف كانت في طريقها إلى مدينة نواذيبو قادمة من نواكشوط، وعلى متنها عدد من المهاجرين غير النظاميين، في مؤشر على تطور أساليب التهريب.
تم توقيف السيارة عند مركز “بلنوار”، حيث أثار صوت إنذارها وضوؤه ريبة نقطة تفتيش الدرك، إذ لم يكن من المعتاد أن تطلق سيارة إسعاف هذا الإنذار أثناء عودتها من نواكشوط إلى نواذيبو.
كانت تلك المرة الأولى التي يكتشف فيها الأمن طرقاً جديدة لتهريب المهاجرين، لتتحول سيارة الإسعاف إلى “الخيط الأول” الذي قاد لاحقاً إلى اختراق أكبر شبكات التهريب في البلاد، وفق ما أفاد به الدرك الوطني.
وبحسب الدرك، أسفرت هذه العمليات عن تفكيك عدة شبكات واعتقال 117 شخصاً، من بينهم عناصر قيادية و”متواطئون” قدموا الإيواء والدعم اللوجستي.
ووصف الدرك هذه العمليات بأنها “ناجحة”، كونها أدت إلى الإطاحة بأكبر شبكة لتهريب المهاجرين غير النظاميين على المستوى الوطني، وتوقيف زعيمها وجميع أفرادها وشركائها.
أما العملية الثانية، التي كشف عنها الدرك أمس الاثنين، فقد أسفرت عن توقيف شبكة تهريب تتكون من عشرين شخصاً.
ورغم تفكيك بعض الشبكات المحلية، فإن هذا الجهد الأمني يظل “ناقصاً”، بحسب مراقبين، ما لم يُعزز بتعاون وثيق مع الدول المصدرة للمهاجرين، حيث تنشط شبكات تهريب تُرسل المهاجرين إلى موريتانيا كنقطة عبور نحو أوروبا.
وفي هذا السياق، أبدت الحكومة الموريتانية استعدادها للتعاون وتوقيع اتفاقيات تهدف إلى التنسيق ومكافحة الهجرة غير النظامية، وهو ما كان حاضراً في مباحثات وزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك مع قادة عدد من الدول الأفريقية، خاصة من غرب القارة، مثل السنغال ومالي وغامبيا وغينيا بيساو وساحل العاج.
وفي هذه العواصم الخمس، سلّم ولد مرزوك رسائل خطية من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى نظرائه، وتركزت مباحثاته معهم بشكل كبير على ملف الهجرة غير النظامية.